السعادة هي الكلمة التي يتداولها الناس بين ناصح بها ومعلم لها وكاتب عنها، وبين باحث عنها متلمس طريقها، السعادة هي الضالة المنشودة في قصة الحياة الطويلة.
وهي الأمل المفقود في حياة البؤساء والتعساء، تحدث الكثيرون عن السعادة واقترحوا لها أسباباً، سعى لتحصيلها أناس من غير نور يمشون به فحصدوا وهماً! وآخرون عاشوا بتلقائيتهم وانسيابيتهم في الحياة فغمرتهم السعادة، وقديماً كتب الإمام أبي حامد الغزّالي رسالة صغيرة سماها «كيمياء السعادة».
إن متعة الحياة وسر الفهم وطريق الوعي في أسئلة كبرى وأجوبة سهلة، قال النبي «صلى الله عليه وسلم» للجارية: «أين الله؟ قالت: في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة».
الإنسان من دون أن يدبر أمر وجدانه، وأمر أخلاقه لا قيمة له، كما يقول الدكتور عبدالمجيد الصغير، ولعل من أكبر الأسئلة وأهمها، سواءً كان سؤالاً - منطوقاً أو مكتوباً أو مفهوماً أو مكبوتاً - هو السؤال عن السعادة.. . ما هي؟ وكيف أكون سعيداً؟ هذا السؤال الكبير والراهن باستمرار سأقترح له صيغة مختلفة وهي: هل يوجد سعادة؟
قيل لك، أو فعلت وجربت أشياءً فشعرت بالسعادة، وحين احتجت إلى هذا الشعور مرة أخرى، فعلت ما كنت تفعل فلم يحصل لك ذلك الشعور، أين ذهبت السعادة لو كانت موجودة في تلك الأشياء؟! وهذا هو الوهم الذي كان يسوق له أصحابه عشرة أسباب للسعادة أو ضعف هذا العدد!
الذي حصل أنك كنت مستعداً للتألقـ روحياً ونفسياًـ فانعكست تلك الأشياء فيك فأصبحت سعيداً، فكل محاولات الحصول على سعادة من دون استعدادك أنت لن تعطيك السعادة، يقول المعلم ايكهارت تول: «تقول إنك تبحث عن السعادة، لكنك في الحقيقة مدمن لشعورك بالتعاسة، وهو شعور ينشأ من برمجة عقلك المشروط وليس من الظروف التي تواجهك».
إذاً لا يوجد سعادة قابلة للقبض أو البسط، أو جاهزة للصرف والتحويل، لا توجد سعادة وإنما يوجد سعداء، وهذا هو منطق القرآن الكريم (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ)، فالسعادة سوف تأتيك كلما كانت نفسك متألقة في السماء.
وكلما كنت مستعداً بالتسامح والعطاء، إن اللحظات التي تتعامل فيها مع حقيقتك، بعيداً من زيفك، سيكون لها ذوقها الخاص، وتجلياتها الملهمة، وكما يقول «سري شينموي»: «كن صادقاً في أفكارك.. . وكن نقياً في مشاعرك.. . فليس عليك أن تلاحق السعادة.. . لكن السعادة هي التي ستلاحقك».
لن يكون الإنسان سعيداً حتى يكون على طريق الحقيقة، طريق النور، وليس إلا النور أو الظلمة، واستشعار النور في الوجود هو الطاقة الملهمة (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)، ذلك أن طاقاتنا النفسية والعقلية والجسدية تبقى محدودة، بينما وحدها طاقتنا الروحية هي التي لا حدود لها، لكنها تحجب عنا بشرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
لا طريق لإزالة الحجب إلا بالوعي بطاقتنا الروحية والمعرفة لقوانيننا وهو ما يفتح لنا النفس بآفاقها، والعقل بإدراكاته، والجسد بعافيته، وبذلك نفهم أن سعادتنا تتمثل في شخصنا السعيد، الذي يمثل حقيقة ذاته، بعد أن يقضي على مظاهر الزيف التي تكومت فيه حتى فارقته السعادة حين اختفت فيه الحقيقة.
الكاتب: أ. محمد الدحيم
المصدر: جريدة "الحياة" اللندنية